السبت، أكتوبر 30، 2010

موجز خبرة الصراع الاجتماعي في مصر المسلمة (الحلقة الثالثة)

موجز خبرة الصراع الاجتماعي في مصر المسلمة (الحلقة الثالثة)


الفصل الأول

مقدمات التغريب 1809:1922م

يمكن اعتبار انفراد محمد علي بالحكم دون العلماء سنة 1809م بداية رمزية للعلمانية في تاريخ مصر ، على أنه ليس المقصود بالعلمانية المذاهب الكفرية كما عُرفت في أوربا ، ولكن مجرد إقامة نظام دنيوي هو علمانية من الناحية العملية ، وإن كانت العلمانية المصرية (على المستوى الفكري) لم تستطع النفاذ إلى قطاع لا بأس به من المثقفين إلا عندما تحولت إلى " التوفيقية " ، والتي حاولت الترويج للعلمانية بثياب إسلامية ، فظهرت " ديمقراطية الإسلام " ، و " اشتراكية الإسلام " ، وأمثالها من الدعاوى.

لقد استطالت فترة إعداد مصر لتطبيق مذهب يقترب مما هو مطبق في الغرب ، إذ تعتبر فترة 1809م : 1922م مقدمة لليبرالية المشوهة التي طبقت بين سنة 1922م : سنة 1952م ، والتي – وإن لم تكن قد تحولت إلى نظام للحياة مقبول شعبياً – إلا أنها كانت ممثلة في أجهزة الدولة ، وفي مجموعة من أذناب الحضارة الغربية الذين شنوا أكبر حملة ضد الدين والأخلاق في تاريخ مصر [i] ، ولكنها كانت مناسبة فريدة لكي يتضح مدى قدرة العالم الإسلامي على المقاومة ، ومع أوائل ثلاثينيات القرن العشرين كان هؤلاء الأذناب قد سلّموا باستحالة مهمتهم ، بحيث إن من تبقى مصمماً على الدعوة لمذهبهم اضطر إلى التوفيقية.

كان دور محمد علي في هذا التطور هو الفصل الافتتاحي ، لقد كتب الكثير عن محمد علي ، ولكن أيّاً من هذه الدراسات لم يستطع أن يجيب عن السؤال : ماذا كانت أهداف هذا الألباني ؟ وإذا كان البعض يصور مشروعه على أنه مشروع للدولة الوطنية الحديثة إلا أن الأرجح أنه لم يكن أكثر من مشروع للحفاظ على مكاسب تخبة ، وبتعبير محمد على نفسه ، فهو مشروع " تدعيم أسس أسرتي الحاكمة " و" نحت مكان لأسرتي وسلالتي الحاكمة في التاريخ ؛ لتظل في الذاكرة لأربعة أو خمسة قرون " [ii] عن طريق إقامة امبراطورية بقيادة مصر ، تصبح ميراثاً لأسرته ، وربما فكر في وراثة الدولة العثمانية نفسها ، ومن أجل ذلك حوّل مصر إلى قاعدة عسكرية واقتصادية لتنفيذ هذا المشروع ، وكل الإنجازات التي تتغنى بها الكتب لم تكن هدفاً في حد ذاتها ، وإنما – كما لخص طارق البشري بقوله : " ولكن هذا الذي يعتبر وسائل لديه ، كان يعتبر غايات عندنا نحن المصريين "[iii]

وبغض النظر عن تفاصيل مغامرات محمد علي ، فإنه يمكن إجمالها في أن عدد الجيش في عهده قد بلغ 300 ألف جندي (في بلد تعداده 2.5 مليون نسمة) ، وكان الأسطول المصري رابع أقوى أسطول في العالم ، وأقام محمد علي نظاما اقتصاديا موجهاً ، بحيث كان هو شخصيا التاجر الوحيد والزارع الوحيد والصانع الوحيد ، ثم تصور أنه يستطيع تحدي التوازنات الدولية ، فوصل بقواته إلى مشارف اسطنبول ، فاجتمعت عليه القوى الأوربية ، واتفقت في مؤتمر لندن سنة 1840م على إنذاره بالانسحاب ، فلما عاند قصفت الأساطيل الأوربية مواني الشام ، وأخيرا استسلم محمد علي :

- اقتصاديا : بقبوله سياسة الباب المفتوح ، بحيث انهار الصرح الذي بناه في شهور قليلة.

- وسياسيا : بقبول ولاية مصر فقط طبقا لفرمان سنة 1841م.

وبهذه الانهيارات أصيب محمد علي بالجنون ، وتولى ابنه إبراهيم في حياته ، ومات إبراهيم ، وتولى عباس ومازال محمد علي مجنوناً.

وهذه الانهيارات تكررت مع " الزعيم الملهم " عبد الناصر ، عندما انهار الاقتصاد ، وانهار الجيش ، وانهار نفوذ مصر على العرب.

الذي يعنينا في تجربة محمد علي هو النظام الجديد الذي أنشأه في مصر ، والذي تسبب في انشطار العقل الجمعي للأمة لأول مرة تاريخ مصر ، حين أوجد محمد علي بسياساته تلك ثنائية : الديني ↔ المدني بإقامته نظاما تعليميا من خارج الأزهر ، ونظاما قضائيا غير إسلامي ، ومع الزمن اتسعت الفجوة بين الديني والمدني ، فكانت الحلقة تضيق حول الديني ، ويُفسح المجال للمدني ، ولما تضاءل دور المؤسسة الدينية أصبح من السهل إلغاؤها ، وهو ما قام به عبد الناصر سنة 1955م عندما ألغى المحاكم الشرعية ونظام الوقف الأهلي ، ثم قرار ما يسمى بتطوير الأزهر سنة 1961م والذي تم به توحيد النظام التعليمي.

لقد كان دور محمد علي هو افتتاح هذه الثنائية ، وسواء كان هذا بحسن نية أو بسوء نية ، فالتاريخ لا يهتم بالنوايا ، وسواء كان هدفا أو وسيلة لتنفيذ مشروعه السياسي ، وهو بهذا يختلف عن نموذج رضا ﭘهلوي ونموذج كمال أتاتورك.

بدأ إرساء النظام التعليمي الجديد سنة 1809م (وهي نفس السنة التي أقصيت فيها الزعامة الشعبية) ، وفي هذا العام أرسلت البعثات الأولى إلى فرنسا وانجلترا وإيطاليا والنمسا ، ومع عودة أولى هذه البعثات أمكن افتتاح المدارس في مصر ، وهو ما بدأ سنة 1816م ، ويروي أحمد عزت عبد الكريم قصصاً كثيرة عن نفور الناس من هذا النموذج من التعليم ، مما اضطر محمد علي إلى إلزام مشايخ الحارات بالقبض على الغلمان ، فكانت المدارس سجونا يمنع الخروج منها ، ويروي أحمد عزت عبد الكريم أيضاً الكثير عن هروب التلاميذ ومحاضر ضبطهم. [iv]

لم تكن هذه المدارس تقدم تعليميا إسلاميا ، ويتضح من جداول الحصص فيها أنها تشبه المدارس الصناعية الحالية ، وكانت على ثلاث درجات : المبتديان ، والتجهيزية ، والراقية ، ولما كثر عددها أنشأ محمد علي ديوان المدارس سنة 1837م وكان بمثابة وزارة للتعليم ، ومع وجود عدد لا بأس به من خريجي المدارس الراقية أصبح من الممكن إقامة ما يشبه الكليات ، ولكنها اقتصرت في البداية على متطلبات الجيش ، فأنشئت مدرسة الطب في أبو زعبل ، وأشرف عليها كلوت بك ، وكان يترجم له نصارى الشام ومسلمون مغاربة ، وأنشئت عدة مدارس حربية وسط المعسكرات في طرة ، ولم يمنع هذا من استمرار البعثات إلى أوربا ، والتي اقتصرت على دراسة العلوم العسكرية والميكانيكا والري ، وفي وقت لاحق درس بعض المبعوثين القانون والسياسة ، وكان الأزهريون يصاحبون هذه البعثات ، وتعلم بعضهم اللغات ، وعملوا مترجمين ، ومن أشهرهم : الطهطاوي ، والذي يتضح من كتاباته أنه قد بلغ الدرك الأسفل من الانهيار الحضاري ، واقترح الطهطاوي على محمد علي إنشاء مدرسة الألسن ، وهو ما تحقق سنة 1836م.

أغلقت المدارس دفعة واحدة بسبب إغلاق المصانع وتخفيض حجم الجيش إلى 18 ألفاً بموجب فرمان سنة 1841م ، وعندما جاء عباس أجهز على البقية الباقية ، وألغى ديوان المدارس ، ولكن خريجي هذه المدارس استمروا يؤثرون في الحياة في مصر لأنهم كانوا أول جيل مصري تسلم الوظائف خلال حركة التمصير ، والتي اتسع نطاقها في عهد سعيد.

أما النظام القضائي : فقد بدأ على استحياء ببعض اللوائح والقوانين المستخدمة في الدوائر الحكومية والتجارة ، تصفها لطيفة سالم بأنها كانت : " أبعد ما تكون عن الشريعة " ، كما أنه حينما أنشأ ديوان الوالي ، والذي شملت سلطاته الإدارة والتشريع والقضاء ، ضم إليه أربعة من العلماء ممثلين للمذاهب الإسلامية ، إلا أنه لم يتقيد بأحكامهم ! [v] وأنشأ مجلسا عسكريا باسم " مجلس شورى الجهادية " ومع ذلك كان يطبق في أحكامه القانون العسكري الفرنسي ![vi] ، وفي سنة 1842م (3 من محرم سنة 1258هـ)شكل " جمعية الحقانية " ، وخول لها حق التشريع وسنّ اللوائح والقوانين ، واختصت بالنظر في جميع القضايا المدنية والجنائية والعسكرية والإدارية ، دون أن تتقيد بأحكام الشريعة الإسلامية [vii] ، كما أنشئت محاكم تجارية تحكم بالقوانين الأوربية ، وعين بها قضاة من الأجانب لأن معظم التجار كانوا من الأوربيين إذ تغلغل الأرمن بالذات في كافة الأنشطة التجارية منذ بداية عهد محمد علي ، واستأثروا بوظائف بعينها مثل : " صراف باشي الخزينة " أي كبير الصيارفة [viii] وغيرها ، وبلغ من احتكارهم للامتيازات التجارية أن قال Hamont : " إنه لم يعد أمام الأرمن إلا احتكار مياه النيل " [ix] ، بل إن نفوذهم وصل درجة أن اقترض محمد علي 250000 قرش من الصراف الأرمني موﭬسيس شريطة أن يسددها له في العام التالي سنة 1806م ؛ إذ كانت خزانة مصر خاوية عندما تولى الحكم [x] ، وتولى بوغوص بك يوسفيان مؤسس الجالية الأرمنية بمصر (1769-1844م) نظارة التجارة والأمور الإفرنجية منذ 1826/4/4م حتى 1844/1/11م ثم تلاه آرتين بك تشراكيان منذ 1844/1/13م حتى 1850/9/14م [xi] ، والذي كلفه محمد علي بتنظيم " مجلس تجار الإسكندرية " ، والذي كان بداية المحاكم التجارية المختلطة.

وهكذا انفتح الباب لتعدد التشريعات المطبقة من قانون عثماني ، وفرنسي ، والشريعة الإسلامية ، والقانون الشخصي للوالي ، وعندما كثرت اللوائح تم جمعها سنة 1830م تحت قانون واحد : " المنتخبات " والذي مزج بين الشريعة الإسلامية والقانون الجنائي الفرنسي ، ومع كل قانون كان محمد علي يصرح بأنه " يتشبه بممالك أوربا لوضع النظامات الجديدة في مصر " [xii] ، وفي عهد إبراهيم يطلب ترجمة القانون من الفرنسية إلى العربية [xiii] ، وذلك للإلمام بالثقافة القانونية الفرنسية ، واستمر الأمر على ذلك في عهد عباس ، وجمع سعيد في قوانينه بين القانون الجنائي العثماني والشريعة الإسلامية والعرف ، ولكن عند التطبيق تم تجاوز أحكام الشريعة [xiv] ، وفي عهد إسماعيل وضعت لائحة لمجالس الأقاليم سنة 1870م ، لكنها لم تكن تطبق الشريعة الإسلامية في أحكامها ، وكان ديوان الحقانية في عهده يضع اللوائح ويسن القوانين راجعاً في أغلب فتاواه إلى التشريع الفرنسي [xv] ، وكان الحال في هذه المجالس كما تقول لطيفة سالم : " وفي حالة عدم وجود نص كان يرجع إلى القانون المدني الفرنسي ، وأحيانا يلجأ إلى أحكام الشريعة الإسلامية " [xvi] ، وتصفه في وضعه النهائي بأنه " جاء بعيدا عن الشريعة الإسلامية ، وخاصة في المسائل الجنائية ، واستغرق إعداده اثنتي عشرة سنة ... وأن إسماعيل رصد العارفين والتراجمة لإعداد قوانين نابليون (الكود) ، وعلى يد الطهطاوي وتلاميذه تم تعريب القانون المدني ، وقانون التجارة ، وقانون التجارة البحري ، وقانون المرافعات ، وقانون العقوبات ، وقانون تحقيق الجنايات " [xvii] ، ولم يأت عهد توفيق ولا الثورة العرابية بجديد ، وإنما ابتُدع نظام قضائي آخر اعتمد أساساً على قوانين المحاكم المختلطة ، والتي ترتكز على القانون الفرنسي ، حتى قال Benoit " زرعت مصر الأوربية في قلب مصر الإسلامية "[xviii] ، وجرى الاتفاق على مد العمل بنظام المحاكم المختلطة وتجديد امتيازاتها سنة بسنة منذ سنة 1881م ، ثم لفترات خمس سنوات في الأعوام 1884م ، 1889م ، 1899م ، 1900م ، 1905م ، 1910م ، ... ، حتى 1921/10/31م حين صدر قانون بامتدادها إلى أجل غير مسمى .[xix]

وترتب على وجود الامتيازات الأجنبية والمحاكم المختلطة – التي وفرت الحماية لكل أشكال انحراف الأجانب – مزيد من التخريب للمجتمع ، فاحتمى بالامتيازات المرابون الذين لعبوا دوراً رئيسياً في الانهيار الكامل للمصريين عامة والفلاحين خاصة [xx] ، وامتلأت مصر بالعناصر الأجنبية السيئة التي هي من أردأ الأنواع [xxi] ، وامتدت الحماية والحرمة لهم ولمساكنهم ، ومنها إلى محلاتهم ، وأصبح البوليس المصري مكتوف الأيدي أمامها ، فلم يكن له حق الدخول او التفتيش إلا ومعه مندوب القنصل ، ويخضع لقرار القنصل الذي يسمح أو لا يسمح ، وفي تلك الأماكن تمثلت الرذائل بأنواعها : القمار والدعارة وتزييف العملة وتهريب الممنوعات والربا ...الخ. [xxii]

مرة أخرى يظهر الدور التخريبي لنصارى الأرمن ، يمثلهم هذه المرة : نوبار باشا نوباريان (1825 – 1899م) ، والذي كان أول رئيس نظار في مصر ، وتولى النظارة ثلاث مرات ، ولم يكن يمثل حالة فردية ، بل كان هذا وضع الطائفة الأرمنية ككل ، حتى إن محمد رفعت الإمام يقول : " وثمة حقيقة مؤداها أن الجالية الأرمنية هي الجالية غير الإسلامية الوحيدة التي وصل بعض أفرادها إلى أعلى المناصب الحكومية في مصر ، ليس هذا فحسب ، بل شاركوا سياسيا في تشكيل مجرى بعض الأحداث المحلية والدولية " [xxiii] وأنه " كان الأرمن نافذة مصر على أوربا " [xxiv] وينقل عن كلوت بك قوله : " والباحث في أحوال بلاد الدولة العلية يخيل إليه أن السلطة العثمانية أصبحت بين الأتراك والأرمن ملكاً مشاعاً يستقل هؤلاء بالنصف من خيراتها ". [xxv]

هذا الأرمني تصفه لطيفة سالم بأنه : " كان القوة الفعالة والمحركة لنشأة المحاكم ، وهو على درجة كبيرة من النشاط ، ... ، ولم يكن إلا من العاملين لمصلحته ، فالتعانق والتكاتف بينه وبين المصالح الأجنبية واضح من خلال ممارسته لمنصبه ، ... ، وأنه في أول أكتوبر سنة 1867م كتب تقريراً عن الإصلاح القضائي في مصر ، ورفعه إلى إسماعيل " ، وأنه اقترح فيه ضرورة " الإصلاح " القضائي بإنشاء نظام جديد يمثل فيه العنصر الأوربي ، ويكون القائمون عليه أصحاب دراية بالقوانين " الحديثة " ، وأن " الأنسب " لمصر أن يشمل بالإضافة للتجارة القضايا المدنية والجنائية [xxvi] ، وعندما رفضت الدولة العثمانية مشروعه في البداية قام بالسفر إلى الآستانة وباريس ولندن وبرلين وفلورنسا وﭬيينا للحصول على موافقة هذه الدول ، كما حصل على موافقة سفيري روسيا والولايات المتحدة في الآستانة ، وهكذا حتى أقرت هذه الدول وغيرها مشروع المحاكم المختلطة ، وافتتحت في 1875/6/28م.

الغريب أن مصر دفعت الثمن غالياً للحصول على هذا الخراب ، فقد ثبت في تحقيقات : " لجنة التصفية " أن ما اخذه نوبار من خزينة المالية لينفقه حتى يحصل على الموافقة بلغ ستة ملايين جنيه ، غابت بيانات أوجه صرفها ؛ لأن الأمر العالي كان قد صدر بأن كل ما يأخذه نوبار يوكل حساب صرفه إلى ذمته وأمانته [xxvii] ، بل ومن الطرائف أنه مثلا في سعيه حصل من بنك أوﭘنهايم بباريس على خمسين ألف فرنك صرف منها خمسة وأربعين ألفاً على فقراء فرنسا ومدارسها [xxviii].

ومن المثير للسخرية أن هذه المحاكم بنوعيها (القنصلية والمختلطة) قد أقحمت أنفها ووسعت اختصاصها بنفسها ، لتتدخل حتى في المسائل الشرعية سالبة بذلك كل سلطة للمحاكم الشرعية ، حتى تسجيل الوقف المحكوم بقواعد الشريعة الإسلامية أعطته لنفسها [xxix] ، بل وتعرضت المحكمة القنصلية الفرنسية بالإسكندرية إلى قضاء الشريعة الإسلامية ، واعتبرت نفسها لها حق الحكم في الأحوال الشخصية بين مسلم ومسلمة أصلهما من مصر ، ويقيمان فيها ، ويدينان بدينها .[xxx]

واستمر تدهور أحوال المحاكم الشرعية ، واستطاع إسماعيل انتزاع سلطة تقليد قضاء مصر من يد الآستانة ، فتوقفت الدولة العثمانية عن إصدار الفرمان السنوي بالتعيين لهذا المنصب منذ سنة 1873م ، وحينما صدرت مجلة " الأحكام العدلية " سنة 1876م المقننة لأحكام الشريعة الإسلامية في مسائل المعاملات المدنية وفقا لمذهب أبي حنيفة ، لم تتخذها مصر مصدراً قانونياً لها [xxxi] ، ومع فساد أحوال القضاة الشرعيين في أنفسهم ، واستبعاد الصالحين منهم أولا بأول ، وضغط ميزانيتها لأقل درجة ، حتى أنها أحياناً لا تجد مقراً لها ، فمثلا محكمة بورسعيد تم نقلها إلى منزل الشيخ مصطفى الصياد ، والمحكمة الشرعية الكبرى بالقاهرة تم تأجير منزل محمود سامي البارودي مقراً لها [xxxii] ، لم يبق إلا أن تحاول بريطانيا إلغاءه نهائياً كما فعلت بالهند ، وأقدمت على ذلك في حدود سنة 1899م بمشروع تمهيدي وضعه " مكلريث " لكنه فشل فشلا ذريعا ، وتصدى له العلماء ، أو كما تقول لطيفة : " وقف أهل الشرع سداً منيعاً أمام تحقيق تلك السياسة " [xxxiii] ، لكن الإنجليز حققوا نصراً جزئياً بعد ذلك عندما قطعت الصلة بين مصر والدولة العثمانية ، ليس فقط بقطع رابطة القضاء ، وإنما بإلغاء السيادة العثمانية كلها بقيام الحرب العالمية الأولى ، وصدر قانون 21 ديسمبر 1914م لتعديل لائحة المحاكم الشرعية في ضوء الأوضاع الطارئة.

[i] انظر مثلا : دعوة سلامة موسى في : " سيكولوجية التربية " ، إلى إباحة الخمور والمخدرات " الخفيفة " كالحشيش للترفيه عن المجتمع ، وبزعم إغنائه عن التعلق بالمخدرات الأشد.

[ii] خالد فهمي (2001) ،" كل رجال الباشا : محمد علي وجيشه وبناء مصر الحديثة ،" دار الشروق ، القاهرة ، ص 373/ عن وثائق القاهرة.

[iii] طارق البشري () ،" المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية ،" دار الشروق ، القاهرة ، ص .

[iv] أحمد عزت عبد الكريم (1938) ،" تاريخ التعليم في مصر في عهد محمد علي ،" القاهرة.

[v] لطيفة محمد سالم (2000) ،" النظام القضائي المصري الحديث 1875-1914م ،" الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، ج1 ، ص27

[vi] المرجع السابق : ص28

[vii] نفسه.

[viii] محمد رفعت الإمام (1999) ،" تاريخ الجالية الأرمنية في مصر ،" الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، ص 107

[ix] Hamont P.H. (1843),” L’Egypt sous Méhémet-Ali,” Paris, Vol. 2, p. 345

نقلا عن : الإمام ، المرجع السابق ، ص 109

[x] " محافظ الذوات التركي ،" رقم 1 ، وثيقة رقم 1/39 ، ترجمة أمر من محمد علي إلى الخواجة موﭬسيس صراف ميرمران أكرم حسن باشا في 10 ربيع الأول سنة 1220هـ ، نقلا عن : الإمام ، المرجع السابق ، ص 108

[xi] " محافظ مجلس الوزراء . نظارة الخارجية ،" محفظة رقم 3 : قائمة بأسماء نظار الخارجية منذ عصر محمد علي حتى عام 1914م ، نقلا عن : الإمام ، مرجع سابق ، نفسه.

[xii] " الكتاب الذهبي للمحاكم الأهلية 1937-1938م ،" المطبعة الأميرية ببولاق ، القاهرة ، ج 1 ، ص 92 ، نقلا عن : لطيفة : مرجع سابق ، ص 29

[xiii] أمين سامي (1936) ،" تقويم النيل ،" دار الكتب المصرية ، القاهرة ، ج 2 ، ص 619 ، نقلا عن : لطيفة ، السابق ، ص 31

[xiv] لطيفة : السابق ، ص 36

[xv] لطيفة : السابق ، ص 38 ، وقام بوضعها المحامي الفرنسي M. Manoury ، وانظر : جون مارلو (ترجمة : عبد العظيم رمضان) ، (2003) ،" تاريخ النهب الاستعماري لمصر من الحملة الفرنسية 1798م إلى الاحتلال البريطاني 1882م ،" الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، ص 297

[xvi] لطيفة : السابق ، ص 40

[xvii] لطيفة : السابق ، ص 41

[xviii] لطيفة : السابق ، ص 56

[xix] لطيفة : السابق ، ص 95

[xx] لطيفة : السابق ، ص 56

[xxi] لطيفة : السابق ، ص 57

[xxii] لطيفة : السابق ، ص ص 57 – 58 ويلاحظ القارئ اعتمادنا على كتابها منفردا وكثرة الإحالة عليه ، لانفرادها وحدها مشكورة بالتأريخ للنظام القضائي المصري الحديث ، وشكواها من عدم وجود مرجع متخصص يغطي شأنا بهذه الأهمية حتى لدى المختصين في الدراسات القانونية ، فسدت العجز على عادتها في مؤلفاتها الثرية ، مع كونها من خارج التخصص القانوني.

[xxiii] رفعت الإمام : مرجع سابق ، ص 377 ، وانظر : أحمد عبد الرحيم مصطفى (1990) ،" عصر حككيان ،" الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، ص ص 89 - 144

[xxiv] الإمام : السابق ، ص 376

[xxv] الإمام : السابق : ص 307

[xxvi] لطيفة : السابق ، ص 63

[xxvii] لطيفة : السابق ، ص 67

[xxviii] لطيفة : نفسه

[xxix] لطيفة : السابق ، ص 77

[xxx] لطيفة : السابق ، 195

[xxxi] لطيفة : السابق ، ص 375

[xxxii] لطيفة : السابق ، ص 383

[xxxiii] لطيفة : السابق ، ص

ليست هناك تعليقات: