السبت، أكتوبر 16، 2010

موجز خبرة الصراع الاجتماعي في مصر المسلمة زمن الحقبة العلمانية 1809 - 1952م (الحلقة الثانية)

موجز خبرة الصراع الاجتماعي في مصر المسلمة زمن الحقبة العلمانية 1809 - 1952م (الحلقة الثانية)


بعد تلقي تعليقات الأصدقاء الأفاضل أشار معظمهم إلى ضرورة تقليص حجم الحلقة وهو ما سنتوخاه باذن الله ، وفي انتظار مشاركاتكم جميعا بالنقد والتعليق

تمهيد

هل لمصر تاريخ حديث؟

تعد قضية وحدة الدراسة التاريخية إحدى القضايا الخلافية بين المؤرخين ، فإذا كان القلة قد جعلوا من الحضارة وحدة لدراسة التاريخ كما شرح ذلك توينبي في مقدمة كتابه " دراسة في التاريخ " ، وإن كانت الفكرة موجودة من قبل توينبي ، فقد سبقه كنتور : " أوربا والعصر الوسيط " ، وجيبون الذي أفنى عمره في تأليف كتاب : " انحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها " ، وبناء على هذا المذهب أُنشئ معهد الحضارات بطوكيو وغيره من أرقى المعاهد المماثلة في أوربا ، إلا أنه يبقى الذين تجشموا عناء هذا الاتجاه معدودين على مستوى العالم ، والأخطر أن الحضارة الإسلامية لم يتوافر على دراستها أحد.

في المقابل يذهب جمهور المؤرخين إلى اعتبار وحدة دراسة التاريخ قطاعا مستعرضا على مستوى العالم كله ، فيعمدون إلى تقسيم التاريخ إلى مراحل زمنية ، تجري فيها الأحداث على وتيرة واحدة ، ويتخذون لكل فترة بداية ونهاية ، عبارة عن حدث يمثل نقطة تحول ، وعلى ذلك فقد قسّم المؤرخون تاريخ العالم إلى أربع فترات اعتماداً على أحداث وقعت في الغرب كنقاط تحول ، وعنهم أخذ المؤرخون (النسّاخون) في العالم الإسلامي هذا التقسيم ، وأصبحت التخصصات الحالية تبنى على هذا التقسيم :

1) التاريخ الـقــــديم : منذ معرفة الكتابة وحتى سقوط روما سنة 176م.

2) التاريخ الوسـيـط : من سقوط روما إلى فتح القسطنطينية سنة 1453م.

3) التاريخ الحــديث : من النهضة إلى الثورة الفرنسية سنة 1789م.

4) التاريخ المعاصر : من الثورة الفرنسية حتى الآن[1].

ولما كان من الطبيعي أنه لا يمكن الانطلاق إلى دراسة فترة تاريخية دون الإلمام بممدى ارتباطها بالفترات السابقة ، فإنه – وبالتطبيق على التاريخ المصري في القرنين الأخيرين – يتضح أنه لا يمكن فصله عن كل التاريخ الإسلامي ، وبهذا يتضح أنه من الخطأ أن نقول : " مصر الحديثة " ، أو : " تاريخ مصر الحديث " ، لسببين :

1) أن هذه المصطلحات في حد ذاتها ترتبط وسياق التطور التاريخي والاجتماعي الغربي ، وتمثل خبرته.

2) أن العلمانيين يقصدون بها قطع هذه الفترة عن التاريخ الإسلامي.

تتبنى هذه الدراسة تقسيما مغايراً لدراسة التاريخ الإسلامي ، يعتمد على مفاهيم منبثقة من الخبرة الإسلامية ذاتها ، فالتاريخ الإسلامي مقسم بوضوح في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما يقول : كان الناس يسألون رسول الله

عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله ، إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر؟ ، قال : نعم ، قلت : وهل بعد هذا الشر من خير؟ ، قال : نعم ، وفيه دَخَن ، قلت : وما دخنه؟ ، قال : قوم يهدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر ، قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر؟ ، قال : نعم : دعاة إلى أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها ، قلت : صفهم لنا ، فقال : هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا ، قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ ، قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ ، قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك "[2] ،

فهذا التقسيم مبني على معيار الالتزام بالدين وظهوره في الأرض ، وينقسم التاريخ الإسلامي وفقه إلى أربع مراحل كبيرة : خير ، ثم شر ، ثم خير ، ثم شر [3] ، ومن الواضح أننا على العتبة بين الشر الأول والخير الثاني ، فإذا قسمنا كل مرحلة تاريخية إلى مراحل أقصر ، أمكن تقسيم مرحلة الشر الأول تلك إلى فترتين :

1) فترة من الظلم والتدهور الخلقي ، ولكن كان المجتمع فيها محافظا على قيم العالم الإسلامي ، وكانت الشريعة قائمة - ولو شكلياً -.

2) حقبة التغريب – وهي المقصودة بالدراسة – والتي يمكن اعتبار سنة 1809م بداية لها في مصر ، إذ أنه في هذه السنة تمّ عزل العلماء عن السياسة ، ولم يعودوا لأداء هذا الدور حتى الآن.

وبالنظر إلى الخبرة التاريخية المصرية ، فقد تحولت مصر إلى حقل تجارب على أيدي " زعمائها الوطنيين " ، ووفقاً لهذه التجارب يمكن تقسيم هذه الحقبة إلى أربع مراحل تتناولها الفصول الأربعة التالية :

1) مقدمات التغريب : من سنة 1809م : سنة 1922م.

2) فترة الحكم الليبرالي : من سنة 1922م : سنة 1952م.

3) فترة الحكم الاشتراكي : من سنة 1952م : سنة 1967م.

4) مرحلة الإفلاس : من سنة 1967م : الآن.

[1] انظر : حسن عثمان (د.ت) ،" منهج البحث التاريخي ،" القاهرة ، دار المعارف.

[2] البخاري (ح 7084،3607،3606) ، مسلم (ح 1847) ، واللفظ لفظ البخاري.

[3] الخير الثاني : عودة الخلافة والتمكين وعز الإسلام ، ثم دول المهدي وعيسى ، والشر الثاني : قبض المؤمنين حتى لا يبقى على الأرض إلا شرار الناس ، وحتى لا يقال على الأرض : الله الله ، فعليهم تقوم الساعة (والتعبيرات مقتبسة عن النص النبوي).

ليست هناك تعليقات: